الجمعة، 16 ديسمبر 2016

عروسة المولد بين التراث والحاضر

عروسة المولد بين التراث والحاضر.
حكايات من التراث الشفاهي
لسنوات طويلة  من الثمينيات وحتى اوائل تسعينيات القرن الماضي كنا كأطفال  ننتظراحتفال المولد النبوي من أجل الهدايا التي تمثلت في عروسة المولد او العروسة الحلوى او كما يطلق عليها البعض العروسة السكر , وكانت ذات لون احمر , تبهرنا طبقات المراوح من ورق الكوريشة بألوان براقة تعلو رأسها , والفستان ذو الالوان المفضضة والمبهجة والصبغات على الوجنبتين والشفاة وكانت هدايا الفتيات , وكذلك كانت هدايا العرسان فكان الخطيب يهدي خطيبتة عروسة من الحلوى ذات حجم كبير وتحتفظ بيها الخطيبة وتصطحبها إلى بيت الزوجية وتضعها في مكان مكشوف حتى يراها الجميع .
بينما الصبية كانت هداياهم الفارس على الحصان ويحمل سيف من الحلوى ذات لون ابيض ومزخرف بأوراق براقة وعلم مصر القديم الهلال وثلاث نجوم , واحيانا كان  يهدى جمل او سفينة  .
كان عمرالعروسة  قصير, بعد  اقل من اسبوعين وتنكسر بعد اللعب بيها ومن هنا تبدء مرحلة ثانية من اعادة تدوير خامة العروسة , فكانت تقوم الامهات او الجدات في اذابة العروسة في المياة مع النشا وتصنع اطباق المهلبية .
مع منتصف التسعينات قل ظهور هذه الحلوى الشعبية , ومع اواخر التسعينات اكتسحت العروسة الصيني هذا الأحتفال الشعبي , وهي عروسة بلاستيكية ذات ملابس من التلي الابيض وقطع اكسسورات للزخرفة وايضاً اصبحت عرف على الخطيب في هذه المناسبة ان يشتري العروسة الصيني  للخطيبة , حجم العروس والفستان والزخرفة في المفهوم الشعبي حالياً يظهر مدى تقدير الخطيب لخطيبتة وقدرتة المالية , وقد تحدث الكثير من المشاكل التي تؤدي الى انهاء الخطبة احيانا بسبب عدم شراء هدية العروس الصينية
ظهرت  النستولوجيا "الحنين للماضي" و انتشرت في المجتمع المصري من بعد احداث ثورة يناير وتوسع استخدم وسائل التواصل الأجتماعي وبدء  البحث عن كل ماهو مرتبط بالتراث من اغاني وصور واكلات وعادات , يبحث الجميع عن كل ماهو ماضي ولة جذور كنوع من اعادة احياء للثقافة والهوية . قررت بمناسبة المولد النبوي ان ابحث عن العروسة  الحلوى القديمة  , وفي سرادق السيدة زينب حيث استعدت المنطقة للأحتفال بالمولد النبوي والذي يوافق يوم الاحد  12 من رييع الاول سنة 1438 هجرية, 11 ديسمبر 2016 ميلادية, زينت السرادق بالأضاءة والحلوى المتنوعة وهناك وجدت العديد من العرائس الحلوى البيضاء اللون والمزينة بالمرواح وكذلك الحصان باحجام مختلفة واسعار تبدء من 4 جنيهات وحتى 80 جنيهاً حسب حجم العروسة او الحصان وطبقات ورق الزينة .
 اشتريت عروسة وحصان وسئلت عن العرائس ذات اللون الأحمر, فكانت اجابة صاحب المحل ان اللي نازل منها الابيض فقط , ورغم ارتفاع اسعار السكر , لكن مع ارتفاع سعر العروسة الصيني , بدء يرجع الاقبال والسؤال مرة اخرى على العروسة الحلوى ولذلك نجدها كثيراً هذا العام .

سرادق لبيع حلوى وعروسة المولد الحلوى والصيني  بالسيدة زينب
 بدأت رحلة البحث عن العروسة واماكن التصنيع , في منطقة باب البحر التي تقع بين باب الشعرية وشارع كلوت بك بأول الفجالة والقريبة من سكك حديد مصر ,  هنا كانت الدارسة الميداينة حيث تم مقابلة اصحاب المصانع التي تقوم بأنتاج عروسة المولد الحلوى .
كان الحوار مع الحاج على فرج العربي . عائلة العربي , متوارث المهنة اب عن جد عن جد يعملون في المهنة من اكتر من 150 سنة , في مدخل المصنع رصت العديد من الاقفاص التي تحوى عرائس واحصنة وجمال ذات احجام مختلفة .

ذكر الحاج علي ان هذه المنطقة منذ القدم هي منطقة صناعة حلويات الحمص والملبن والسمسمية  , ومع انشاء محطة مصر, كان زوار المولد من الأرياف والصعيد يأتون من الباب الحديد على باب البحر على باب الشعرية على المعز على مولد الحسين وفي رحلة رجوعهم كان يتم شراء الحلويات من الشارع ويعودون اسرهم .

تاريخ المهنة
عن المهنة ذكر الحاج محمد ان المهنة لايستطيع ان يمارسها أو يبدأها شخص حديث لان المهنة متوارثة منذ القدم ولايستيطع القيام بها إلا اصحابها وخاصة ان القوالب خشبية المحفورة بشكل فني رائع قد اختفى او انقرض من يقوم بتصميمها , وبذلك فأن القوالب الموجودة حالياً متوارثة من الاجداد ولا يتم انتاج قوالب جديدة اليوم لان اصحاب حرفة حفر القوالب في الخشب ماتوا وانتهت الحرفة مع موتهم واخر قوالب تم انتاجها كان في الثمينيات  .
قصة عروسة المولد.
يقول صاحب المصنع ان هناك قصة مرتبطة بالعروسة الحلوى وهي ان المعز لدين الله الفاطمي كان متزوج من سيدة جميلة وجزيلة العطاء جداً وكانت في المولد النبوي تمشي في الشوارع و توزع الهبات على الفقراء , وكان في  قصر المعز ديوان الحلوى بينتج حلويات  , وكانت زوجتة محبوبة جداً لكرمها و اكراماً وحباً فيها  تم صنع العروسة تمثيلاً لها .
وفي الرواية التاريخية يذكر ان الحاكم بأمر الله كان يحب احدى زوجاتة كثيراً وفي احدى احتفالات المولد النبوي والتي انتشرت في مصر مع الحكم الفاطمي اصطحب زوجتة في الشارع وعندما شاهدها العامة انبهروا بجمالها وملابسها فقاموا بتصميم عروسة حلوى لها .
وعن العروسة ذات اللون الاحمر , ذكر صاحب المصنع انها  كانت بتصنع في الأرياف وكان اللون الأحمر بديل  عن تزويق العروسة  بفستان الوان , و كانت العروسة  في الاول بتنزل على طبق فخار , وكانت بيضاء بدون اي تزويق , وبعدين اصبحت ذات لون احمر, ثم اختفى الطبق الفخار , وبعدين نزلت العروسة البيضاء المزينة بالورق الكوريشة والورق الملون.

عروسة حمراء من اسيوط

قصة الفارس والحصان
عن الحلوى الفارس على الحصان الذي كان يلفت انتباه كل الأطفال وخاصة الأولاد ,  في الرواية الشفاهية في باب البحر قال احد العاملين بالمصنع  انه كان هناك فتوحات اسلامية كثيرة وبعدها يرجع الفرسان على الأحصنة حاملين سيوف الأنتصار فصمموا لهم احصنة من الحلوى كنوع من التقدير .
تذكر الرواية التاريخية ان قصة الحصان الحلوى تعود إلى العصر الفاطمى، وتحديداً فى عهد الحاكم بأمر الله، الذى قرر منع كل الاحتفالات، ومنها احتفالات الزواج فيما عدا الاحتفال بالمولد النبوى، الأمر الذى جعل المصريين يحتفلون بالزفاف فى ذكرى المولد النبوى الشريف، وصنعوا قوالب الحلويات المناسبة لهذا الاحتفال، ومنها كان الفارس، الذى يمتطى حصانه ليذهب إلى منزل عروسته ليعود بها إلى بيتهما الجديد , وحتى ثمينيات القرن الماضي كانت تتم احتفالات الزواج في ارياف مصرمع  احتفالات المولد النبوي وكان العريس يمتطي حصاناً .
مراحل الصناعة
يتم صهرالسكر في اواني نحاسية كبيرة حتى يصل لدرجة غليان في  حوال 20-30 دقيقة



ثم يتم صب السكر المنصهر الذائب في قوالب منحوتة بأشكال مختلفة وهذه القوالب تنقع في المياة لفترات طويلة حتى تشبع المسام بالمياة وعند صب السكر تنفصل القشرة داخل القالب ويتكون الشكل بدون ان يلتصق بالخشب .

قالب خشب منحوت على شكل فارس على حصان والمنتج بعد التكوين


قالب من الحشب منحوت على شكل عروسة


مرحلة الصب في القوالب الخشبية

الأعداد لمرحلة فتح القالب وتعتمد هنا على السرعة والمهارة لأخراج الشكل بدون كسره



مرحلة تزين العروسة بالورق الكورشية والورق المفضض ويشارك في هذه المرحلة نساء ورجال
      
   





وعن الأشكال الأخرى التي كانت تصنع في المولد النبوي , ذكروا ان السفينة كانت موجودة قديماً , وشكل الجامع , ومع شهرة شخصية شكوكو كممثل شعبي محبوب قام نحاتين القوالب  بنحت شكل شكوكو في قالب خشبي وتصنع له حلوة وكان بيظهر في المولد النبوي ايضاً .
وعند السؤال عن الأقبال على شراء العروسة الحلوى , ذكر انة مازال في اقبال  عليها في المولد النبوي , ولكن يقل هذا الاقبال مع كساد الحالة الأقتصادي وارتفاع الأسعار.
ولايعتقد اصحاب المصانع ان عروسة المولد سوف تندثر في يوم من تراث الأحتفال بالمولد النبوي لأن في السنوات الاخيرة بدأت العودة مرة أخرى لشراء العروسة الحلوى وخاصة من اصحاب الطبقة العليا .
مع زيارة لمنطقة السيدة زينب واماكن بيع حلوى المولد النبوي نجد عودة قوية للعروسة الحلوى والتي تحمل تاريخيأ من الحكايات الشفاهية لدى صناعها وتاريخياً ممتد في القدم مرتبط بعادات المصرين وحبهم للأحتفالات .
 نجوى بكر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق